الجمعة، 15 ديسمبر 2017

لقد أيقظت طفلتي..




لقد أيقظت طفلتي..
تشير الساعة إلى الثانية عشرة عند منتصف الليل، يجلس وحيداً أمام التلفاز في غرفة بالدور الثاني من البيت الكبير الذي ينعزل قليلاً عن بيوت البلدة. أخذ جواله يريد الاتصال بزوجته التي ربما ستبيت هذه الليلة عند أهلها مع الأطفال. أجرى الاتصال.. سمع نغمة لأغنية "محمد فؤاد" من طرف الجوال المستقبل للمكالمة، وهي نغمة الانتظار التي تسبق فتح الخط، أثارت استغرابه فجوال زوجته ليس به هذه النغمة، لكنه لم يغلق الاتصال، وبعد ثوان قليلة هناك من فتح الخط، كان المجيب رجلاً "أهلاً بك من تريد"؟ وحين أدرك أنه اتصل على الرقم الخاطئ، أقفل الخط في وجه الرجل دون أن يعتذر.. ثم عاود الاتصال بزوجته، فقالت له ربما أبيت عند أهلي هذه الليلة، إذا لم يأتِ أخي ليوصلني إلى البيت.
أكمل جلسته أمام التلفاز يتابع فيلمه الأجنبي، بعد دقائق رن هاتفه وكان المتصل هو الرقم الذي اتصل به سابقاً بالخطأ. فتح الخط.. وإذ به يسمع صوت الرجل وهو يقول في غضب "لقد أيقظت طفلتي ولم تعتذر، أنا آتٍ إليك" فرد عليه "ليس لدي وقت لتفاهاتك" وأغلق الاتصال. لم يساوره أي شك أن هذه أعمال صبيانية يقوم بها عادة المراهقون في آخر الليل ليبددوا وقتهم بالتسلية مع خلق الله.
مرت عدة دقائق وهو يشاهد التلفاز ، أغمضت أنوار الإضاءة في منزله برهة من الزمن ثم عادت واشتغلت. بدأ شيء من القلق يتسلل إلى قلبه، ثم زادت إضاءة التلفزيون بقوة غريبة وانطفأ فجأة ليسود الصمت المطبق في غرفته، وقبل أن ترتد أنفاسه، رن هاتفه، فتح الخط، فسمع صوت طفلة صغيرة تقول "لقد اقتربنا". تفاقم الرعب في قلبه حين أدرك أن الأمر جدياً وأن هناك شيئاً غريباً يحدث . إتصل على صديقه وأخبره أن يأتي فوراً ليصلح له التلفاز ، وهو في الحقيقة يريد منه أن يكون بجواره هذه الليلة.
وبينما هو جالس في غرفته سمع صوت باب في الخارج يُفتح، إنتابه الخوف الشديد وأغلق على نفسه باب غرفته، ثم بعد دقيقة شعر أن هناك شيئاً بالقرب منه، نظر من تحت الباب فرأى ظلاً وكأن أحداً يقف وراء باب غرفته. كاد قلبه ينفجر من الرعب، ثم سمع جلياً خطوات في الرواق الذي يتوسط الغرف، رن الهاتف مرة أخرى، وكان هذه المرة صديقه يخبره أنه آتٍ إليه بعد أن يكمل عشاءه لكنه أخبره أن يُسرع فهناك أمر يخيفه.
وهو مختبئ بغرفته أخذه تفكيره لربما هناك لص في البيت يريد السرقة، وقد تأتي زوجته مع أطفالها فتصطدم بهذا الدخيل في المنزل، فيؤذيها وقد يرعبها ويرعب أطفاله على أقل تقدير . قرر الخروج ، وبعد أن استجمع شجاعته فتح باب غرفته ونظر في الرواق فلم يرَ أحداً، واصل المشي بخطى خفيفة وفجأة لمح شيئاً يدخل أحد الغرف لكنه لم يتحقق منه على وجه الدقة. إنطفأ النور في الرواق ثم عاد بشكل مفاجئ، فرأى أمامه رجلاً أعمى يسيل الدم من عينيه وتُمسك بيده طفلة تحيط بعينيها هالة سوداء وتبدو عليهما ثياب رثة مبللة بالطين . إنطفأ النور مرة أخرى، فجرى خائفاً تكاد أنفاسه تتوقف، ونزل إلى الدور السفلي وهناك اختبأ في غرفة معدّة كمخزن في أسفل المنزل. وبينما هو يحاول استرجاع أنفاسه والخوف قد شقق قلبه، سمع وقع خطوات تقترب من مخبئه ثم تلاشى الصوت وساد صمت رهيب لم يقطعه إلا قرع على باب البيت. إزداد خوفه بعد أن عرف أن الطارق قد تكون زوجته أو صديقه لكنه لم يجرؤ على الخروج وظل مختبئاً في مكانه..
عاد الباب ليقرع مرة أخرى، وهذه المرة سمع خطوات أقدام تتجه إلى الخارج، فجلس يبكي حين أدرك أن الذي يقرع الباب ربما تكون زوجته وستكون في مأزق شديد فالدخيل يتجه إلى هناك . توقفت الأصوات وبدا كل شيء هادئاً حينها قرر الخروج ليرى ما الذي حدث، وما أن فتح باب الغرفة ودخل الرواق الذي بالأسفل حتى رأى الدماء تسيل على أرضيته وكأن هناك من قام بسحب جثة تنزف على بلاط الرواق . تتبّع آثار الدم وهو في حالة من الرهبة فأوصلته الدماء إلى إحدى الغرف، وضع أُذنه على بابها قبل أن يفتحه فسمع أنين شخص يتألم، فتح الباب ليرى صديقه مدداً بالداخل في مشهد مفجع . كانت الدماء تنزف من كل جوانبه، وأحشاؤه تتدلى من بطنه، وحين سأله من فعل بك هذا؟ لم ينطق بكلمه بل كان يئن وحسب ، وفتح فاهه ليُريه لسانه المقطوعة . وقف يرتجف من هول الفاجعة، ثم سمع أقداماً تتجه نحو الغرفة فأختبأ خلف صندوق خشبي وأخذ ينظر من خلال فتحات بين الألواح . فُتح الباب فدخل رجل بيده فأس وخلفه طفلة، وقف في مواجهة صديقه ثم رفعه على طاولة وبدأ بقطع أعضائه بالفأس حتى مزّق جثته تماماً، ثم قال لطفلته جِدِي لي ذلك السافل إنه ما زال في البيت يختبئ في مكان ما هنا..
خرج الرجل وطفلته من الغرفة يبحثان عن صاحب البيت الذي كان مختبئاً في نفس المكان ، حين ذلك قرر أن يهرب من البيت لينجو بنفسه . تسلل خفية من الغرفة ثم اجتاز الرواق، وأطلق قدميه بسرعة نحو الباب الرئيسي للمنزل، وما أن اقترب منه وظن أنه نجا حتى تعثّر بفخّ قد نصبه الدخيل ووقع في شبكة من الخطاطيف التي اخترقت جسده وعطلته عن الحركة . نظر إلى غرفة مضاءة في أعلى المنزل فكان الرجل يقف عند النافذة وابنته تشير إلى الأسفل حيث هو .
لحظات من الرعب تفطر قلبه وهو 
يرأى الرجل يغادر الغرفة وبيده الفأس وهو في حالة لا يقوى فيها على الهرب ، وإذ بالرجل آت إليه تقوده ابنته. أمسك به وسحبه بقوة جعلت الخطاطيف تمزّق جسده . أخذ يصرخ متوسلا إليه أن يتركه ، لكنه لم يأبه لصراخه وظلّ يسحبه على الأرض وهو ينزف . أدخله إلى المطبخ وهناك بدأ بتقطيع أوصاله وهو يصرخ في وجهه "لقد أيقظت طفلتي". تركه ينزف من جراحه وفيه بقية حياة، ثم حمل طفلته وغادر البيت.
في الصباح أتت زوجته لتتفاجأ بهذه المجزرة . كان زوجها على وشك الموت، اتصلت بالشرطة فحضرت على الفور ، نقلوا الرجل إلى المستشفى وهناك فارق الحياة..
فتشت الشرطة جوال الرجل فوجدوا رقماً غريباً في سجل المكالمات، وبعد البحث عن معلومات الرقم تبين أنه يعود لرجل مات مع طفلته في حادث مروري قبل سبعة شهور . كان ملتهياً باتصال وهو يقود سيارته التي اصطدمت بشاحنة ففارق الحياة مع طفلته، وفقد عينيه بسبب شظايا الزجاج عند وقوع الحادثة، فمات أعمى.
يقال حين تحصل الحوادث المفاجئة للإنسان، فالقرين يسابق الروح للخروج من الجسد الذي هو على وشك الموت، وقد يتعلق بأي وسط مادي قريب من الميت ويتلبسه، وتبقى هذه الكيانات الروحية عالقة في هذه الماديات ساكنة سكون الأموات حتى يأتي من يوقظها، فيوقظ الشر معها، وهذا ما يفسر ظهور أشباح الموتى في أماكن الحوادث التي سُفكت فيها الدماء.
هل اتصلت من قبل على رقم بالخطأ. قد يكون هذا الرقم لشخص متوفى، وقد يكون لإنسان على قيد الحياة، لكن وفي كل الأحوال عليك أن تعتذر لا أن تقفل الخط في وجهه، فقد تكون أيقظته من منامه، وقد تكون أيقظته من مماته، إعتذر حين يحدث ذلك، فلغة الاعتذار هي أعظم لغات البشرية.
لقد أيقظت طفلتي.. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق